أقوال الأئمة الأعلام في الحث على تعلم لغة القرآن

الدرس في أقوال الأئمة الأعلام في الحث على تعلم لغة القرآن، الاثنين 8 / ربيع أول / 1431هـ الموافق 22/ 2 /2010م . ألقاها الشيخ أبو همام عبد الله باسعد

أقوال الأئمة الأعلام في الحث على تعلم لغة القرآن


الحمد لله الذي أنزل على عبده القرآن بلسان عربي مبين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد القائل " وأوتيت جوامع الكلم " وأشهد أن لا إله إلا الله القائل {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (يوسف 2) ، والقائل {قُرآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} (الزمر 28) ، والقائل {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} (فصلت 3) والقائل {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (الزخرف 3) ، والقائل {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ} (النحل 103) .
إخواني في الله : إنه من المؤسف جدا أن نلاحظ في مجتمعاتنا عدم المبالاة والاهتمام بلغة القرآن اللغة العربية لا في مدارسنا ولا في تخاطبنا ولا في كتابتنا بل طغت على كثير من المسلمين اللهجات العامية واللغات الأجنبية مما أدى إلى بعد كثير من المسلمين عن فهم كتاب ربهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم ولهذا حارب أعداء الإسلام اللغة العربية ونفروا منها، فمن أجل هذه الأسباب وغيرها أحببت أن أنقل لإخواني المسلمين ما تيسر لي الوقوف عليه من كلام الأئمة الأعلام في حثهم على تعلم لغة القرآن لعل الهمم تنشط والقلب ينشرح والجوارح تندفع .
وسيكون النقل تدريجيا عالما فعالما ابتداء من شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى
قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى - (ج 2 / ص 102) :
( فَمَعْرِفَةُ الْعَرَبِيَّةِ الَّتِي خُوطِبْنَا بِهَا مِمَّا يُعِينُ عَلَى أَنْ نَفْقَهَ مُرَادَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ بِكَلَامِهِ )
وقال أيضا في مجموع الفتاوى - (ج 8 / ص 343) :
( وَمَعْلُومٌ أَنَّ " تَعَلُّمَ الْعَرَبِيَّةِ ؛ وَتَعْلِيمَ الْعَرَبِيَّةِ " فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ ؛ وَكَانَ السَّلَفُ يُؤَدِّبُونَ أَوْلَادَهُمْ عَلَى اللَّحْنِ . فَنَحْنُ مَأْمُورُونَ أَمْرَ إيجَابٍ أَوْ أَمْرَ اسْتِحْبَابٍ أَنْ نَحْفَظَ الْقَانُونَ الْعَرَبِيَّ ؛ وَنُصْلِحَ الْأَلْسُنَ الْمَائِلَةَ عَنْهُ ؛ فَيَحْفَظُ لَنَاطَرِيقَةَ فَهْمِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ؛ وَالِاقْتِدَاءِ بِالْعَرَبِ فِي خِطَابِهَا . فَلَوْ تُرِكَ النَّاسُ عَلَى لَحْنِهِمْ كَانَ نَقْصًا وَعَيْبًا ؛ فَكَيْفَ إذَا جَاءَ قَوْمٌ إلَى الْأَلْسِنَةِ الْعَرَبِيَّةِ الْمُسْتَقِيمَةِ وَالْأَوْزَانِ الْقَوِيمَةِ : فَأَفْسَدُوهَا بِمِثْلِ هَذِهِ الْمُفْرَدَاتِ وَالْأَوْزَانِ الْمُفْسِدَةِ لِلِّسَانِ النَّاقِلَةِ عَنْ الْعَرَبِيَّةِ الْعَرْبَاءِ إلَى أَنْوَاعِ الْهَذَيَانِ ؛ الَّذِي لَا يَهْذِي بِهِ إلَّا قَوْمٌ مِنْ الْأَعَاجِمِ الطَّمَاطِمِ الصميان).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم - (ج 1 / ص 420).
( وقال الشافعي فيما رواه السلفي بإسناد معروف إلى محمد بن عبد الله بن الحكم قال سمعت محمد بن إدريس يقول …… اللسان الذي اختاره الله عز وجل لسان العرب، فأنزل به كتابه العزيز، وجعله لسان خاتم أنبيائه محمد صلى الله عليه وسلم: ولهذا نقول : ينبغي لكل أحد يقدر على تعلم العربية أن يتعلمها ؛ لأنه اللسان الأولى بأن يكون مرغوبا فيه من غير أن يحرم على أحد أن ينطق بأعجمية ) .
وقال شيخ الإسلام أيضا- (ج 1 / ص 33) من المصدر السابق :
( إن الله لما أنزل كتابه باللسان العربي ، وجعل رسوله مبلغا عنه الكتاب والحكمة بلسانه العربي ، وجعل السابقين إلى هذا الدين متكلمين به :لم يكن سبيل إلى ضبط الدين ومعرفته إلا بضبط هذا اللسان ، وصارت معرفته من الدين ، وصار اعتياد التكلم به أسهل على أهل الدين في معرفة دين الله ، وأقرب إلى إقامة شعائر الدين ، وأقرب إلى مشابهتهم للسابقين الأولين ، من المهاجرين والأنصار في جميع أمورهم).
وقال في المصدر السابق(ج 1 / ص 424)
( ثم إنهم تساهلوا في أمر اللغة، واعتادوا الخطاب بالفارسية، حتى غلبت عليهم وصارت العربية مهجورة عند كثير منهم، ولا ريب أن هذا مكروه، وإنما الطريق الحسن اعتياد الخطاب بالعربية، حتى يتلقنها الصغار في المكاتب وفي الدور فيظهر شعار الإسلام وأهله، ويكون ذلك أسهل على أهل الإسلام في فقه معاني الكتاب والسنة وكلام السلف، بخلاف من اعتاد لغة، ثم أراد أن ينتقل إلى أخرى فإنه يصعب .
واعلم أن اعتياد اللغة يؤثر في العقل ، والخلق ، والدين تأثيرا قويا بينا، ويؤثر أيضا في مشابهة صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين، ومشابهتهم تزيد العقل والدين والخلق .
وأيضا فإن نفس اللغة العربية من الدين ، ومعرفتها فرض واجب، فإن فهم الكتاب والسنة فرض، ولا يفهم إلا بفهم اللغة العربية، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب .
ثم منها ما هو واجب على الأعيان، ومنها ما هو واجب على الكفاية، وهذا معنى ما رواه أبو بكر بن أبي شيبة :
حدثنا عيسى بن يونس عن ثور عن عمر بن زيد قال : كتب عمر إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه : "
أما بعد: فتفقهوا في السنة ، وتفقهوا في العربية وأعربوا القرآن، فإنه عربي " .
وفي حديث آخر عن عمر رضي الله عنه أنه قال : " تعلموا العربية فإنها من دينكم، وتعلموا الفرائض فإنها من دينكم " وهذا الذي أمر به عمر رضي الله عنه من فقه العربية وفقه الشريعة، يجمع ما يحتاج إليه ؛ لأن الدين فيه أقوال وأعمال، ففقه العربية هو الطريق إلى فقه أقواله، وفقه السنة هو فقه أعماله) .
العلامة الإمام الفقيه محمد بن صالح العثيمين سئل الشيخ - غفر الله له :
ما رأي فضيلتكم في تعلم طالب العلم اللغة الإنجليزية لا سيما في سبيل استخدامها في الدعوة إلى الله ؟
فأجاب فضيلته: بقوله: رأينا في تعلم اللغة الإنجليزية أنها وسيلة لا شك، وتكون وسيلة طيبة إذا كانت الأهداف طيبة، وتكون رديئة إذا كانت لأهداف رديئة، لكن الشيء الذي يجب اجتنابه أن تتخذ بديلاً عن اللغة العربية، فإن هذا لا يجوز، وقد سمعنا بعض السفهاء يتكلم بها بدلاً من اللغة العربية، حتى إن بعض السفهاء المغرمين الذين اعتبرهم أذناباً لغيرهم كانوا يعلمون أولادهم تحية غير المسلمين يعلمونهم أن يقولوا باي باي عند الوداع وما أشبه ذلك.
لأن إبدال اللغة العربية التي هي لغة القرآن وأشرف اللغات بهذه اللغة محرم وقد صح عن السلف النهي عن رطانة الأعاجم وهم من سوى العرب. (كتاب العلم )
وسئل فضيلة الشيخ - حفظه الله تعالى : من الملاحظ انصرا ف كثير من طلاب العلم عن إتقان قواعد اللغة العربية مع أهميتها فما تعليقكم ؟
فأجاب فضيلته بقوله : نعم، فهم اللغة العربية مهم سواء في قواعد الإعراب أو قواعد البلاغة، كلها مهمة ولكن بناء على أننا -والحمد الله - عرب فإنه يمكننا أن نتعلم دون أن نعرف قواعد اللغة العربية، لكن من الكمال أن يتعلم الإنسان قواعد اللغة العربية، فأنا أحث على تعلُّم اللغة العربية في جميع قواعدها . المرجع السابق .
العلامة الإمام المحدث مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله تعالى :
( والذي ننصح به طالب العلم والمحب لسنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يأخذ من اللغة العربية ما يستقيم به لسانه، وما يعرف به ارتباط المعاني، فإن القرآن الكريم كما وصفه الله سبحانه وتعالى بقوله: {قرءانًا عربيًّا غير ذي عوج40} وسنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عربية.كما ننصحه أن يتعلم الخط والإملاء، فإنه ينبغي أن يؤهل نفسه للتحقيق والتأليف، والرد على المنحرفين، سواء كان في صحافة، أو في إذاعة، أو كان في كتب عصرية. ينبغي أن تكون همته عاليةً كما قال الشاعر: فكن رجلاً رجله في الثرى وهامة همّته في الثريا ) المقترح في أجوبة أسئلة المصطلح .
وقال رحمه الله في مقدمته على الحلل الذهبية على التحفة السنية ص6 ـ 8 بتصرف
(تلكم اللغة العربية هي التي عرف علماءنا أهميتها من التشريع الإسلامي فقاموا بجمع مفرداتها من أصحاب البادية من بطون الأودية،وقاموا ـ رحمهم الله ـ بوضع قواعد للمحافظة عليها من اللحن ،وإذا وجد محدث يلحن في حديثه ذكروا ذلك في ترجمته ، ليحذر من لحنه ، وكذا وضعوا قواعد في التصريف للمحافظة على أوزان الكلمات ... أما اليوم فقد أعرض الناس إلا ما شاء الله عن اللغة العربية ، وشغلوا باللغات الأجنبية والنبي صلى الله عليه وسلم أمر زيد بن ثابت أن يتعلم اللغة العبرية، ولم يأمر الصحابة كله ، أما اليوم فشغل بها الشباب المسلم ـ إلا من رحم الله ـ وأصبحت اللغة العربية لا تدرس إلا للاختبار وبعد الأختبار تصير نسيا منسيا 0 وأعداء الإسلام ينفرون عن اللغة الربية من أجل أن يستطيعوا أن يوردوا الشبهات على الشباب المسلم ،ويطعنوا في الدين بواسطة اللغة العربية ،فلا يستطيع حلها.
فنصيحتي لطلبة العلم النافع الذين لم يفتنوا بالشهادات أن يقبلوا على تعلم اللغة العبية والاهتمام بالدعوة إلى دراستها بإتتقان واحتساب الأجر والثواب عند الله .
والطالب الذي يكون قويا في اللغة العربية تسهل عليه بقية العلوم بإذن الله ) انتهى كلامه
وقال رحمه الله في كتابه إرشاد ذوي الفطن ص 65 ـ66 بتصرف
( علم النحو من العلوم الإسلامية المهمة التي يجب على المسلمين أن يعطوها اهتماما ؛ إذأعداء الإسلام ينفرون المسلمين عن لغة دينهم ، ويشغلونهم بما ليس من ضروريات دينهم والله المستعان ).
العلامة الإمام شيخ الإسلام عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى
( ومن هنا يعلم الداعي إلى الله تعالى أنه في حاجة شديدة إلى الفقه في الدين ، والبصيرة بأحكام الشريعة ، والمعرفة بلغة المدعوين وعرفهم ، وذلك يوجب عليه التوسع في فهم الكتاب والسنة والعناية بمعرفة ما أراد الله ورسوله كله ، والعناية أيضا بدراسة اللغة العربية وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم من حين بعثه الله إلى أن قبضه إليه دراسة وافية حتى يتمكن بذلك من إرشاد الأمة إلى ما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم من أخلاق وأعمال ،) مجموعة فتاوى ومقالات ابن باز .
وسئل رحمه الله : ما هي الوسائل التي يستخدمها الغرب لترويج أفكاره ؟
فأجاب بذكر مجموعة من الوسائل وذكر منها :
( 3 - تنشيطه لتعليم اللغات الغربية في البلدان الإسلامية وجعلها تزاحم لغة المسلمين وخاصة اللغة العربية لغة القرآن الكريم التي أنزل الله بها كتابه والتي يتعبد بها المسلمون ربهم في الصلاة والحج والأذكار وغيرها ، ومن ذلك تشجيع الدعوات الهدامة التي تحارب اللغة العربية وتحاول إضعاف التمسك بها في ديار الإسلام في الدعوة إلى العامية وقيام الدراسات الكثيرة التي يراد بها تطوير النحو وإفساده وتمجيد ما يسمونه بالأدب الشعبي والتراث القومي) مجموع فتاوى ومقالات ابن باز .
وقال رحمه الله :
(ومن هنا نشأ لدى السلف كراهية شديدة تجاه ظاهرة اللحن ، وحَضٌّ على اكتساب العربية والتفقه في مواردها ، فالخليفة الراشد عمر يقول : (( تَفَقَّهوا في العربية ؛ فإنها تُشَبِّب العقل وتزيد في المروءة )) . وقال أُبَيُّ بن كعب : (( تعلموا العربية كما تتعلَّمون حِفْظ القرآن )) . وهذا قتادة يقول : (( لا أسأل عن عقل رجل لم يدلَّه عقله على أن يتعلَّم من العربية ما يُصْلح به لسانه )) ، أما الأصمعيُّ فيخاف على طالب العلم إذا لم يعرف النحو أن يدخل في جملة قول النبي صلى الله عليه وسلم : « مَنْ كذب عليَّ متعمِّدًا فليتبوَّأ مقعدَه من النار » لأنه لم يكن يلحن ، فمهما رَوَيْتَ عنه ولَحَنْتَ فقد كَذَبْتَ عليه )).
عناية المسلمين باللغة العربية خدمة للقرآن
ويحسن بنا في ختام هذا المقال أن نذكر بعض الأبيات ا لرائعة الجميلة التي تدل على فضيلة هذا العلم.
قال الشاعر :

أيها الطالب علما نافعا اطلب النحو ودع عنك الطمع

إنما النحو قياس يتبع وبه في كل علم ينتفع

وقال آخر :
لو تعلم الطير ما في النحو من شرف حنّت إليـه وأنّـت بالـمناقـيـر
إنّ الـكـلام بـلا نـحـو يـمـاثله نبح الكلاب وأصوات السنانير
وقال آخر:

من فاته النحو فذاك الأخرس وفهمه في كل علم مفلس

وقدره بين الورى موضوع وإن يناظر فهو المتبوع

لا يهتدي لحكمة من ذكر وماله في غالب أمره فكر

قال الشاعر:
النّحو يصلح من لسان الألكن والمرء تكرمه إذا لـم يلحـن
والنّحو مثل الملـح إن ألقيته في كلّ ضدٍّ من طعامك يحسـن
وإذا طلبت من العلوم أجلّهـا فأجلّهـا منهـا مقيم الألسـن
وقال آخر :
إنّما النّحو قياسٌ يتّبـع وبه في كـلّ علـمٍ ينتفـع

فإذا ما أبصر النّحو الفتى مـرّ في المنطق مـرّاً واتّسع

واتّقاه كـل من جالسه من جليسٍ ناطقٍ أو مستمـع

وإذا لم يبصر النّحو الفتى هاب أن ينطق جبناً وانقمـع

يقرأ القرآن لا يعرف ما فعـل الإعراب فيـه وصنـع
يخفض الصّوت إذا يقرؤه وهو لاعلم لـه فيمـا اتّبـع

والّذي يقـرؤه علماً به إن عراه الشّك في الحرف رجع

ناظـراً فيـه وفي إعرابه فإذا ما عرف الـحقّ صـدع
 

وكتبه :

أبو معاذ أبو بكر بن أحمد باصلعة

بدار الحديث بالشحر

الاثنين 8 / ربيع أول / 1431هـ الموافق 22 /2 /2010م