الحلقة الثانية من مقدمة المباحث المنهحية

الدرس في الحلقة الثانية من مقدمة المباحث المنهحية، الأحد 21 ربيع أول 1431هـ 7 مارس 2010م . ألقاها الشيخ أبو همام عبد الله باسعد

الحلقة الثانية من مقدمة المباحث المنهجية
 

إن الحمد لله نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشدًا, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
أما بعد :
فقد ذكرنا في الدرس الماضي أهمية المباحث المنهجية والمسائل الدعوية وخاصة التي لها تعلق بالفرق والجماعات وأن هذه المباحث هي من الدراسات الشرعية التي ينبغي للمسلم أن يُرعي لها انتباهاً ويُلقي لها بالاً, قال سبحانه:{وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} قال الإمام السعدي رحمه الله: (أي نوضحها ونبينها ونميز بين طريق الهدى من الضلال والغي والرشاد ليهتدي بذلك المهتدون ويتبين الحق الذي ينبغي سلوكه ... فإن سبيل المجرمين إذا استبانت واتضحت أمكن اجتنباها والبعد منها بخلاف ما لو كانت مشتبهة ملتبسة فإنه لا يحصل هذا المقصود الجليل).
بل معرفة ما عليه (القوم) من الضلال يتضح ما عليه منهجك من الهدى والرشاد. قال الإمام الشوكاني رحمه الله: (وإذا استبان سبيل المجرمين فقد استبان سبيل المؤمنين) "فتح القدير"
والوصول إلى هذه الغايات الحميدة وغيرها إنما يَتأَتّى بالنظر في أصول الفرق ومنهاجها والرجوع إلى قواعد سيرها, فعليه يكون الحكم بما تستحقه (الجماعة) أو (الفرقة) من الأوصاف الشرعية ومن الخطأ البيِّن في هذا الباب أن يُحكَم على جماعةٍ ما بحسب ما يظهر منها وما يثمر على يديها!! دون التفات إلى أصولها وقواعدها.
ونظرة سريعة في جناب السنة المطهرة يتبين لنا المنهج الصحيح الذي ينبغي أن يُتّخذ إزاء من خرج عن السنة وإن كانت عليه بعض آثار الصلاح أو قام بأعمال أهل الفلاح.
من ذلك ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم عن (الخوارج) حيث وصفهم بقوله صلى الله عليه وسلم: (يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم يقرؤون القرآن ...) لكنهم لما كانوا على منهج منحرف لم تنفعهم هذه العبادات في تغيير مجرى الأحكام فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن قتلهم أجراً لمن قتلهم يوم القيامة).
وعلى هذا النهج سلك سلف الأمة فحكمهم على شحص أو على جماعة يكون بالنظر في الأصول والقواعد التي تبنّتها بغض النظر عن أفعالهم الحميدة! أو أقوالهم السديدة!! إن -وجدت – فهذا (محمد بن كرّام) الذي قيل فيه: (كان زاهداً عابداً ربانياً) "سير أعلام أعلام النبلاء" ومع ذلك حذر العلماء منه ومن فكره – عندما خرج عن الجادة – قال العباس بن حمزة: (الكرامية كفار يستتابون فإن تابوا وإلا ضربت أعناقهم).
وهذا (الحسن بن صالح) قال عنه وكيع: (جزّأ هو وأمه وأخوه الليل مثالثةً للعبادة فماتت أمه فقسم الليل بينهما فمات (علي) فقام الحسن بالليل كله) "تذكرة الحفاظ" ولكن مع تعبده كان يرى السيف ولهذا حذر منه الأئمة قال خلف بن تميم (كان زائدة يستتيب من أتى حسن بن صالح).
وقال أحمد بن يونس اليربوعي: (لو لم يولد الحسن بن صالح كان خيراً له يترك الجمعة ويرى السيف).
وهذا (عبدالعزيز بن أبي رواد) قال فيه ابن المبارك: (كان من أعبد الناس) وفي رواية: (كان يتكلم ودموعه تسيل على خده) وقال شعيب بن حرب: كنت إذا نظرت إلى عبدالعزيز رأيت كأنه يطلع إلى القيامة).
لكن بليته أنه يرى الإرجاء فتعامل معه العلماء بما يستحقه على بدعته لا على عبادته. قال مؤمل بن إسماعيل: (مات عبدالعزيز فجيء بجنازته فوضعت عند باب الصفا وجاء سفيان الثوري فقال الناس: جاء سفيان جاء سفيان. فجاء حتى خرق الصفوف وجاوز الجنازة ولم يصلِّ عليها فقيل لسفيان. فقال: (والله إني لأرى الصلاة على من هو دونه عندي ولكن أردت أن أرى الناس أنه مات على بدعة).
وأختم هذا المقال بهذه الحاثة فعن إسماعيل بن إسحاق السراج قال: (قال لي أحمد بن حنبل يوماً: يبلغني أن الحارث – المحاسبي – يكثر الكون عندك فلو أحضرته منـزلك وأجلستني من حيث لا يراني فأسمع كلامه. فقلت: السمع والطاعة يا أبا عبدالله ... فقصدت الحارث وسألته أن يحضرنا تلك الليلة فحضر أحمد بعد المغرب وصعد غرفة الدار فاجتهد في ورده إلى أن فرغ وحضر الحارث وأصحابه فأكلوا ثم قاموا لصلاة العتمة ولم يصلوا بعدها. فأخذ في الكلام وأصحابه يستمعون وكأن على رؤوسهم الطير فمنهم من يبكي ومنهم من يزعق وهو في كلامه. فصعدت الغرفة لأتعرف إلى حال أبي عبدالله فوجده قد بكى حتى غشي عليه فانصرفت إليهم ولم تزل تلك حالهم حتى أصبحوا فقاموا وتفرقوا فصعدت إلى أبي عبدالله وهو متغير الحال. فقلت: كيف رأيت هؤلاء يا أبا عبدالله؟ فقال: ما أعلم أني رأيت مثل هؤلاء القوم ولا سمعت في علم الحقائق مثل كلام هذا الرجل. وعلى ما وصفت من أحوالهم فإني لا أرى لك صحبتهم ثم قام وخرج) "تاريخ بغداد 8/207"
نعم المبتدع مبتدع ولو أبكى العيون.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

وكتبه :

أبو هاشم جمال بن سرور

بدار الحديث بالشحر
الأحد 21 ربيع أول 1431هـ 7 مارس 2010م