كتاب الطهارة 22

الدرس في كتاب الطهارة 22، ألقاها

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله حمدًا كثيرًا مباركًا فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا. 

ثم أما بعد: مضى معنا في الدرس الماضي الكلام على بعض مسائل الغسل، فمضى معنا الغسل لغةً وشرعًا، وحكمه، وموجبات الغسل. أخذنا منها الأمر الأول والثاني، قالوا: الثالث، أي من موجبات الغسل، إسلام الكافر ولو كان مرتدًا. فمرتدًا يكون خبر كانوا، واسمها محذوفان وتقديرها: "إسلام الكافر، ولو كان الكافر مرتدًا". قالوا: لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر قيس بن عاصم حين أسلم أن يغتسل، والحديث، كما في الحاشية، رواه أبو داود والنسائي وغيرهما، وإسناده صحيح، وصححه العلامة الألباني رحمه الله تعالى وغيره.

وأمر النبي صلى الله عليه وسلم لقيس بن عاصم ليس أمرًا خاصًا له، وإنما هو أمر عام للأمة أجمع. وهذا له نظائر كثيرة في أحاديث كثيرة، في أحكام كثيرة. يأمر النبي صلى الله عليه وسلم أحد الصحابة فيكون ذلك الأمر أمرًا للأمة، أو ينهى أحد الصحابة فيكون ذلك نهيًا للأمة، وهكذا.

قالوا: الرابع، انقطاع دم الحيض والنفاس. لحديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة بنت قيس أو بنت أبي حبيش: "إذا أقبلت الحيضة فادعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغتسلي وصلي"، والحديث متفق عليه. قالوا: والنفاس كالحيض بالإجماع، أي أن المرأة النفساء أحكامها من حيث الاغتسال والصلاة وترك الصلاة وترك الصيام وعدم اهتيان الزوج لها، أحكامها كأحكام الحيض سواء بسواء بإجماع، إلا في أمور يسيرة تختلف فيها مسائل النفساء عن الحيض، ولعله يأتي ذكرها بإذن الله جل وعلا في الكلام على مسائل الحيض والنفاس بإذن الله جل وعلا.

قالوا: والنفاس كالحيض بالإجماع، أي أن المرأة النفساء إذا طهرت، يجب عليها الغسل، كما يجب على المرأة الحائض إذا طهرت من حيضها. قالوا: أما الموت. قالوا: الخامس الموت. لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث غسل ابنته زينب حين توفيت: "اغسلنها"، كما في الصحيحين، من حديث أم عطية، أي حينما غسلت أم عطية ومن معها من النساء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "اغسلنها ثلاثًا أو خمسًا أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك". فالحديث: فقوله صلى الله عليه وسلم "اغسلنها" فعل أمر، والأصل في الأمر أنه الوجوب، ولا صارف له عن هذا الوجوب، فيكون من المواطن التي يجب فيها الغسل: غسل الميت.

قالوا: وقال، أي النبي صلى الله عليه وسلم، في المحرم: "اغسلوه بماء وسدر"، كما في الصحيحين أيضًا من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، في الرجل الذي وقصته دابته فمات، أمر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة أن يغسلوه بماء وسدر. فقال: "اغسلوه بماء وسدر". وهذا أمر، والأصل في الأمر أنه للوجوب. قال: وذلك تعبداً، لأنه لو كان على حدث، أي لو كان من حدث لم يرتفع مع بقاء سببه، لأنه لو كان على حدث، أي كان الميت على حدث لم يرتفع مع بقاء سببه. فالحاصل أن غسل الميت تعبدي، ليس لأنه على حدث أصغر ولا أكبر، بل هو عبادة كبقية العبادات. عبادة كبقية العبادات.

طيب، قالوا: المسألة الثانية في صفة الغسل وكيفيته، أي ما هي الصفة التي إن فعلها العبد فقد قام بالغسل المشروع. قالوا: للغسل من جنابة كيفيتان: كيفية استحباب، وكيفية إجزاء. استحباب، أي مستحبة، يؤجر العبد على فعلها، وكيفية إجزاء، أي أنها مجزئة إذا اغتسل بها، أي بتلك الصفة، العبد يكون قد قام بالذي يجب عليه من الغسل.

قالوا: أما كيفية الاستحباب، أي أما كيفية المستحبة، والمستحب يؤجر الإنسان على فعله، يثاب على فعله، ولا يعاقب على تركه، وهذا باعتبار ثمرته. ذلك الفعل المستحب. قالوا: فهي أن يغسل يديه، ثم يغسل فرجه وما أصابه من الأذى، ثم يتوضأ وضوءه للصلاة. 

طيب، هذا الوصف، كما سيأتي، معناه على مقطع حديث عائشة، الذي في الصحيحين، وجاء في حديث أم سلمة أيضًا في الصحيحين بنحو حديث عائشة رضي الله عنها وأرضاها، وفيه أن أم سلمة رضي الله عنها قالت: "فأفرغ"، أي رسول الله صلى الله عليه وسلم، بيمينه على يساره، فغسلهما، غسل الكفين، يعني صب له في إناء، فأخذ الإناء، غرف بيمينه على شماله، فغسل يديه. قالت أم سلمة رضي الله عنها: "ثم غسل فرجه"، أي أن يغسل الأذى الذي في الفرج، ثم قال بيده الأرض، فمسحها بالتراب، ثم غسلها. الشاهد أن النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن غسل فرجه، ضرب بيده على الأرض، وكانت الأرض من تراب. من أجل ماذا؟ قال: "فمسحها"، أي مسح الأذى بالتراب. ففيه استحباب، إذا في هذا الحكم المستحب، وهو أن الإنسان إذا غسل الأذى، يمسح على يديه بالتراب.

ولهذا بوب الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه فقال: "باب مسح اليد بالتراب ليكون أنقى"، باب مسح اليد بالتراب ليكون أنقى. فيكون هذا الأمر من الصفات المستحبة. ويدخل فيه أيضًا أنه يستحب لهم، إن كانت الحمامات مثل هذه الأيام، أن يغسل يديه بأي شيء، بالصابون، أو بنحوه، بعد أن يغسل فرجه. أن يغسل يده بالصابون أو بنحوه، من أشياء منقية التي تنقي اليد من الأذى. 

ثم بعد ذلك يتوضأ وضوءه للصلاة. فيستحب الإنسان بعد أن يغسل يديه، ثم يغسل فرجه، ثم يغسل فرجه، ثم يغسل يديه مرة ثانية. كما سمعتم، إما بالتراب، وإما بالصابون، أو نحوه. بعد ذلك، يتوضأ وضوءه للصلاة، أي كوضوء الصلاة بالصفة المذكورة سابقًا في صفة الوضوء للصلاة. قالت عائشة رضي الله عنها: "ثم يأخذ بيده ماءً فيخلل به شعر رأسه، مدخلًا أصابعه في أصول الشعر حتى يروي بشرته". أي يأخذ الماء من ذلك الإناء، فيخلل به شعره حتى يرى، ويظن أن الماء قد تخلل، ودخل إلى الشعر، ووصل إلى بشرته. قالت عائشة، أو جاء في الحديث: "ثم يحث على رأسه ثلاث حتيات"، وفي بعض الروايات، كما جاء في حديث أم سلمة، في بعض الروايات، حفنات، والحفنات كالحتيات، ملء الكفين بيد الإنسان المتوسط المعتدل. قال: "ثم يحث على رأسه ثلاث حتيات، ثم يفيض الماء على سائر بدنه"، وكذلك يبدأ بالشق الأيمن، ثم الشق الأيسر. فنستفيد من هذا أن الإنسان إذا اغتسل مثلاً الجنابة، أول ما يبدأ، يغسل يديه، ثم يغسل فرجه، ثم يغسل يديه مرة ثانية، ثم يتوضأ وضوءه للصلاة، وبعد أن يفرغ من وضوءه للصلاة، يبدأ فيحفن ثلاث حفنات على رأسه، بعد أن يدخل أصابعه في فروة رأسه، يحفن على رأسه ثلاث حفنات بالماء، ثم يأخذ الماء، فيصب على شقه الأيمن، كما جاءت في ذلك بعض الروايات، ثم على شقه الأيسر.

وسواء غسل رجليه عند الغسل ابتداء مع الوضوء، أو غسلها بعد الغسل، كل ذلك قد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم. قالوا: أما طيبًا، ثم يفيض الماء على سائر بدنه، لحديث عائشة المتفق عليه. قالوا: أما كيفية الإجزاء، فأن يعم بدنه بالماء ابتداءً مع النية، لحديث ميمونة.

كيفية ميمونة، قولهم، وأما كيفية الإجزاء، فأن يعم بدنهم بالماء ابتداءً مع النية. وهاهنا نبه على مسألة النية. لماذا؟ لأن هذه الهيئة تحتاج إلى ماذا؟ إلى أن الإنسان ينوي أنه أراد غسل الجنابة، بخلاف الصفة الأولى، فالصفة مشعرة بنية الغسل الجنابة ونحوها. لأنه يغسل يديه، ثم فرجه، ثم يديه، ثم يتوضأ، ثم يدخل أصابعه في أصول رأسه، إلى آخر ما ذكر. فالهيئة المفصلة تدل على أن الإنسان نوى الغسل الشرعي، بخلاف الصفة المجزئة، فإن الإنسان قد تختلط فيه النية بنية المباح، كالغسل للتبرد، الاستحمام، ونحو ذلك. لذا هاهنا نبه على أمر النية، أن الإنسان إن نوى أن يغتسل غسلاً مجزئًا، أي بأن يفرغ الماء على بدنه مباشرة دون وضوء، دون أي مقدمات، يشرع له ذلك. لكن نية الغسل، أن نوى أن يغتسل لجنابة أو نحوها، إن كانت الحيض أو النفاس، أو ما شبه ذلك.

قالوا: لحديث ميمونة، وضع، أو وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم وضوء الجنابة، فأفرغ على يديه، فغسلهما مرتين أو ثلاثًا، ثم تمضمض واستنشق، وغسل وجهه، ثم أفاض الماء على رأسه، ثم غسل جسده، فأتيته بالمنديل فلم يردها، وجعل ينفض الماء بيده. ومثله حديث عائشة، وفيه: "ثم يخلل شعره بيده حتى إذا ظن أنه قد روى بشرته، أفاض عليه الماء ثلاث مرات، ثم غسل سائر جسده".

وأصرح من ذلك، وأوضح من ذلك، هذا المعنى ما جاء في صحيح البخاري، من حديث عمران بن حسين رضي الله عنه وأرضاه، في الرجل الذي أصابته جنابة ولا ماء، وأمره النبي صلى الله عليه وسلم لتوضأ. ثم لما وجدوا الماء من مزاد تلك المرأة المشركة، أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم، في بعض الروايات، قد ذنوب من الماء، في بعض الروايات، إناء من الماء، أعطاه، وقال له: "أفرغه على جسدك". وفي روايات، قاله: "اذهب فأفرغه عليك، اذهب فأفرغه عليك". ففيه دلالة على أن المجزئ في غسل الجنابة أن يأخذ الماء ويفرغه عليه.

فإذا أخذ الإنسان، كما يقال في أيامنا هذه، سطل من الماء صغيرًا، يعني قفز جنابة على رأسه، فعمم الماء الجسد كله، فإنه مجزئه ذلك. أو إنسان قفز في بركة ونوى بها الغسل، نوى أن يغتسل الجنابة، قفز في بركة في بحر، نوى الجنابة أن يغتسل، فقفز في البركة، هذا كذلك يكون أجزاءه ذلك الفعل، لأنه عمم الماء على جسده مع النية.

ولا يجب على المرأة نقض شعرها في الغسل من الجنابة، ولكن يلزمها ذلك في الغسل من الحيض، لحديث أم سلمة قالت: "قلت: يا رسول الله، إني امرأة أشد ضفر رأسي، أفأنقضه لغسل الجنابة؟"، قال: "لا، إنما يكفيك أن تحث على رأسك ثلاث حتيات، ثم تفيضين عليك الماء فتطهرين". وحديث أم سلمة رضي الله عنها وأرضاها في صحيح مسلم.

والحاصل أن من أهل العلم في مسألة الغسل بالنسبة للمرأة، يفرقون بين غسل المرأة للجنابة وبين غسلها للحيض أو النفاس. فإذا كانت المرأة على جنابة، فأرادت أن تغتسل، فيكفيها أن تحث على رأسها الماء ثلاث حتيات، ولو كان رأسها مشدودًا بضفائر. والضفائر معروفة، تعملها النساء في رأسها.

فهل يجب عليها أن تنقض شعرها إن كان الغسل من الجنابة؟ فلا، ما الدليل؟ حديث أم سلمة رضي الله عنها، وفيه: "إني امرأة أشد ضفر رأسي، أفأنقضه لغسل الجنابة؟"، أي تفتح الشعر، قال لها النبي صلى الله عليه وسلم: "لا، إنما يكفيك أن تحث على رأسك ثلاث حتيات بالماء، ثم تفرغ على سائر جسدها". هذا في غسل الجنابة.

أما إذا كانت من غسل حيض، أو من غسل نفاس، فذهب جماعة من أهل العلم رحمه الله تعالى وغيره، وهو اختيار العلامة ابن القيم وطائفة من العلماء، إلى أنها تنقض شعر رأسها. واستدل على ذلك بما رواه الإمام مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم، أن امرأة حائضة سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن كيفية غسل الحائض، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: "تأخذ إحدى كن ماءها وسدرها، فتطهر، فتحسن الطهور، أو فتحسن الطهور، ثم تصب على رأسها، فتدلكه دلكًا شديدًا حتى تبلغ شؤون رأسها، ثم تصب عليها الماء". ثم تصب عليها الماء.

الشاهد منه ماذا؟ أن النبي صلى الله عليه وسلم في الحائض أمرها أن تدلك رأسها دلكًا شديدًا.

طيب، نكتفي بهذا القدر إلى هنا. سبحانك اللهم بحمدك، لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

  • 29 جمادى الآخرة 1433هـ - 20/05/2012مـ
  • 4.97MB
  • 21:42

شاركنا على