كتاب الطهارة 8

الدرس في كتاب الطهارة 8، ألقاها

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله حمداً كثيراً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

ثم أما بعد،
قالوا: الباب الثالث في قضاء الحاجة وآدابها، وفيه عدة مسائل.

المسألة الأولى: الاستنجاء والاستجمار وقيام أحدهما مقام الآخر.
طيب، أولاً الباب الثالث في قضاء الحاجة. ومعنى قضاء الحاجة ما يقضيه الإنسان من حاجته من الغائط أو البول. يقال باب قضاء الحاجة، ويقال باب الاستطابة، لأن النفس تطيب بتطهير النجس الخارج من السبيلين أو من أحدهما. ويقال كذلك باب الاستجمار أو باب الاستنجاء. عدة أسماء لمعنى واحد.

قالوا: المسألة الأولى: الاستنجاء والاستجمار وقيام أحدهما مقام الآخر.
قالوا: الاستنجاء هو إزالة الخارج من السبيلين بالماء. والمراد بالسبيلين القبل والدبر. والخارج، كما تقدم، إما أن يكون غائطاً أو بولاً. الخارج إما أن يكون غائطاً أو بولاً، أو ما شابه ذلك، أي مما خرج من السبيلين، من البول أو الغائط، أو من الخارج منهما، وما شابه ذلك. كما سيأتي بإذن الله جل وعلا.

والاستجمار معناه مسحه بطاهر مباح منقن، كالحجر ونحوه.
طيب، قولهم: أولاً الاستنجاء إزالة الخارج من السبيلين بالماء، ففيه إشارة إلى أن لفظ الاستنجاء يكون إذا طهر المخرج بالماء. إذا طهر المخرج بالماء، يقال فيه استنجاء. والاستنجاء، كما ذكر العلماء رحمهم الله تعالى، معناه في اللغة من النجوة، أي القطع. فمعناه قطع النجوة بالاستنجاء.

وقال بعض أهل اللغة أن الاستنجاء مأخوذ من النجو، وهو المكان المرتفع، إلا أن جماعة من المحققين رجحوا القول الأول. فإذاً، الاستنجاء هو إزالة الخارج من السبيلين بالماء.

والاستجمار قالوا من الجمار، والجمار هي الحصى الصغيرة التي تستخدم في إزالة الخارج من السبيلين. وإذاً، يكون معنى الاستنجاء طلب إزالة الخارج من السبيلين أو من أحدهما بالماء، والاستجمار بالحجارة أو نحوها.

هم قالوا هاهنا بطاهر مباح منقن، كالحجر ونحوه. بطاهر مباح منقن. بطاهر، يدخل فيه كل طاهر، كل شيء طاهر. ثم قالوا مباح، أي مباح الاستخدام. مباح الاستخدام. والأمر الثالث أنه منقن. لابد أن يكون منقن. مثل الثوب، إذا احتاج مثلاً إلى المناديل التي تستخدم هذه الأيام. أيضاً مما يقزع، مما يقزع، يكون في حكم الاستجمار، ويكون قد استجمر بها.

قالوا: ويقزع أحدهما عن الآخر، بمعنى أن الإنسان إذا استنجى لا يحتاج إلى أن يستجمر أيضاً، وإذا استجمر لا يحتاج إلى أن يستنجي. يعني إذا استنجى بالماء فإنه يقزعه، فلا يحتاج إلى أن يستجمر بالحجارة، والعكس، إذا استجمر بالحجارة فلا يحتاج أيضاً إلى أن يغسل الموضع بالماء. فإن فعل هذا أو ذاك فإنه يقزعه.

قالوا: ويقزع أحدهما عن الآخر لثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، أي أنه فعل تارة هذا وحده، وأخرى ذاك وحده.

قالوا: فعن أنس رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يدخل الخلاء، فأحمل أنا وغلام نحوي إداوة من ماء وعنزاً، فيستنجي بالماء. الشاهد منه: فيستنجي بالماء، ليس فيه حجارة. وعن عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليستطب بثلاثة أحجار، فإنها تجزئ عنه". والشاهد منه: أن من استجمر بالأحجار دون الماء أجزأه ذلك. وحديث أنس متفق عليه، وحديث عائشة رضي الله عنها وأرضاها أخرجه أحمد وغيره.

وذكر المعلقون هنا أن الإمام الدار قطني رحمه الله قال: "وقال إسناد صحيح". وهذا في نسخة في سنن الدار قطني. في نسخة أخرى، قال: "إسناد صحيح"، وفي نسخة أخرى قال: "إسناد حسن". وذكر النووي رحمه الله تعالى في المجموع أنه قال: "حسن صحيح". والحديث في إسناده مسلم بن قرط، ومسلم بن قرط قال الحافظ في "التقريب": "مقبول". ومعنى "مقبول" أي إن توبع، وإلا فهو لين، أي ضعيف. فإذا كان في إسناده هذا الرجل، فالحديث بهذا الإسناد ضعيف. ولكن للحديث شواهد يرتقي بها إلى الحسن. منها ما سيأتي معنا بإذن الله جل وعلا في حديثه من حديث سلمان الفارسي رضي الله عنه وأرضاه، وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أن سلمان نهانا أن نستنجي باليمين، وأن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار". فالحديث حسن لغيره.

طيب، قالوا: والجمع بينهما أفضل. والجمع بينهما أفضل، وقد جاء في ذلك أحاديث. في أهل قباء أنهم كانوا يتبعون الحجارة الماء، فذكروا وأثني عليهم بخير. فقال العلماء رحمهم الله: إن فعل هذا، وجمع بين الحجارة والماء، فحسن. فتكون الحجارة لإزالة عين النجاسة، والماء لتتميم التطهير ولأجل أن يتم التهارة. فالحاصل أن الأفضل جمع كما ذكر، وإن اقتصر على أحدهما جاز.

قالوا: الاستجمار يحصل بالحجارة أو ما يقوم مقامها من كل طاهر منقن مباح، كمناديل الورق. كمناديل الورق التي نستخدمها اليوم، والخشب، ونحو ذلك. أي إن مسح الإنسان بورق، أخذ ورق الدفتر، ليس فيها كتابة شيء مشرف معظم، يجوز أن يمسح بها موضع الأذى، فيكون استنجاء. أو بخرقة، أو بأوراق أشجار كانت تنقي، أو ما شابه ذلك. المهم العبرة بأن يكون بمباح منق جائز الاستعمال.

قالوا: لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستجمر بالحجارة، فيلحق بها ما يماثلها في الإنقاء. ولا يجزئ في الاستجمار أقل من ثلاث مسحات. ولا يجزئ في الاستجمار أقل من ثلاث مسحات، بمعنى أن الإنسان إن احتاج إلى الاستجمار بالحجارة، فيجب عليه أن يستجمر بثلاثة أحجار على أقل الأحوال. بمعنى أنه إذا طهر المحل بمسحة واحدة بحجر واحد، هل يجزئه ذلك أم لا؟ الصحيح من أقوال أهل العلم أنه يجب عليه أن يمسح ثلاثاً، أي بثلاثة أحجار. الصحيح من أقوال أهل العلم أنه يجب عليه أن يمسح الموضع بثلاثة أحجار.

لما سيأتي في حديث سلمان. قالوا: ولا يجزئ في الاستجمار أقل من ثلاث مسحات. وقول "ثلاث مسحات" يعني يحتمل أن يراد وهو قول لبعض أهل العلم أنه يجزئ ثلاث مسحات بحجر واحد. وقول آخر لأهل العلم، وهو الراجح، أنه يجب أن يكون ثلاث مسحات بثلاثة أحجار أو نحوهما.

بثلاثة أحجار أو نحوهما، لما سيأتي في حديث سلمان. قالوا: لحديث سلمان رضي الله عنه: "نهانا"، يعني النبي صلى الله عليه وسلم، "أن نستنجي باليمين، وأن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار." واضح، جماعة؟ "وأن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار." "نهانا"، والنهي الأصل فيه أنه للتحريم، الأصل فيه أنه للتحريم، إذاً لا يجوز للإنسان أن يقتصر إذا مسح بالحجارة على أقل من ثلاثة أحجار، بل يجب عليه أن يمسح بثلاثة أحجار، ولو ذهب أثر النجاسة بالمسحة الأولى. واضح، جماعة؟

لقول النبي صلى الله عليه وسلم، لقول سلمان: "وجاء كذلك عن غيره. وأن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار." "أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار." قالوا: "أن نستنجي برجيع أو عظم." "وأن نستنجي برجيع أو عظم." سيئة الكلام على هذا.

بقي، العلماء رحمهم الله تعالى، ذكروا هنا مسألة أخرى، وهي متعلقة بهذا الباب، وهي: من مسح الخارج من السبيلين بثلاثة أحجار، ولم يزل الأثر باقياً، أي لم يزل عين النجاسة باقية، فاحتاج إلى أن يمسح بأكثر من ثلاثة أحجار. فهل يجزئه أن يمسح بأربع؟ إن اكتفى بالمسحة الرابعة؟

ذكر العلماء رحمهم الله تعالى كذلك بأنهم إذا زاد على الثلاث فإنه يجب عليهم أن يمسح وتراً، بمعنى أن يقطع على وتر. فإذا مسح أربع وحصل الإنقاء بأربع، فلا يكتفي بالأربع، فليضف إليها خامسة. لما جاء عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم في أمره بهذا، وأن نوتر. وأن نوتر. بماذا؟ إذا استجمر أحدكم فليوتر. إذا استجمر أحدكم فليوتر.

 قال العلماء: فليوتر، يحمل على عمومه. فإذا كانت بالثلاث، فالأمر واضح. إذا زاد على الثلاث، فليقطع المسح بوتر. فإذا كانت أربع، قطعها بخامسة. وإذا حصل الإنقاء مثلاً بست، أضاف إليها سابعاً، حتى ينتهي على وتر. حتى ينتهي على وتر.

طيب، المسألة الثانية، قالوا: استقبال القبلة واستدبارها حال قضاء الحاجة. أي ما حكم استقبال القبلة واستدبارها حال قضاء الحاجة؟ إنسان أراد أن يقضي حاجته، أن يبول أو أن يتغوط، فهل يجوز له أن يستقبل القبلة أو أن يستدبرها، أم لا يجوز له؟ قالوا: لا يجوز استقبال القبلة ولا استدبارها حال قضاء الحاجة في الصحراء بلا حائل. يعني يقولون: إذا كانت في الصحراء، أي ليس بينك وبين القبلة حائل، لا يجوز لك أن تستقبل القبلة ولا أن تستدبرها ببول أو غائط. لكن إذا كان هناك حائل، حاجز، إذا كنت في بنيان، في حمامات كما في هذه الأيام، يقول: يجزئ ذلك. أي لك أن تستقبل القبلة أو أن تستدبرها. وهذا قول في المسألة. وقد ذكر العلماء رحمهم الله في المسألة ثمانية أقوال. ذكر العلماء رحمهم الله في هذه المسألة ثمانية أقوال. ومن أقرب هذه الأقوال ما ذكر هنا، وهو أنه إنما يكون في الفضاء، وإذا لم يكن ثمة حائل بينك وبين القبلة. فإذا كان ثمة حائل بينك وبين القبلة، بنيان، كان عملت ساتر جدار، عملت شيء أمامك، سيارة مثلاً، فجعلت ساتر بينك وبين القبلة، فقضيت حاجتك، يقول: لا بأس، لا بأس بذلك.

ما الدليل على هذا؟ قالوا: قالوا لحديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها، ولكن شرقوا أو غربوا." فالحديث كما ترون فيه نهي وأمر. فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا أتيتم الغائط"، فماذا قال؟ "فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها." وهذا إيش؟ هذا نهي. والأصل في النهي أنه للتحريم. ثم بعد هذا الأمر قال: "ولكن شرقوا أو غربوا." وهذا أمر. وهذا يؤكد أن النهي للتحريم. إذاً ظاهر حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه وأرضاه الإطلاق، أنه لا يجوز استقبال القبلة ولا استدبارها بغائط أو بول، مطلقاً، لا في بنيان ولا في غير بنيان.

قال أبو أيوب: "فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد بنيت نحو الكعبة." قال: "فننحرف عنها ونستغفر الله." يعني أبو أيوب كان يتحرج من هذا الفعل، فوجد بنيان مراحيض، أي ما نسميه اليوم حمامات، وهي ماذا؟ وهي قد بنيت نحو الكعبة، مستقبلة الكعبة. فكان أبو أيوب إذا دخل، انحرف عن القبلة. فإذا خرج، استغفر الله مما حصل. وهذا بلأن، كما ذكر بعض أهل العلم، قالوا: لعل أبا أيوب الأنصاري ممن كان يرى أن النهي على إطلاقه، في البنيان وغيره. وهو أحد الأقوال في المسألة.

قالوا: أما إن كان في بنيان أو كان بينه وبين القبلة شيء يستره، فلا بأس بذلك. يقولون: أما إن كان في بنيان، يعني في بنيان كما سمعتم، كون في حمام، ما نسميه اليوم حمام، الحمامات هذه، يعني شيء يستره، يضع شيء بينه وبين القبلة. إذا كان في سيارة، وضع السيارة بينه وبين القبلة. إذا كان على راحل، على طبق القبلة، وجعلوا ساتراً بينه وبين القبلة. لا بأس. يقول: لا بأس. وهذا كما سمعتم قول جماعة من أهل العلم، وهو الأرجح كما سيأتي معنا بإذن الله.

وقالوا لحديث ابن عمر رضي الله عنهما: أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يبول في بيته، مستقبل الشام، مستدبر الكعبة. والحديث متفق عليه. الحديث متفق عليه. فيه أن ابن عمر رضي الله عنه وأرضاه قال: "رقيت فوق بيت حفصة"، أي أخته، وهي زوج النبي صلى الله عليه وسلم، فرأى النبي صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته في البيت، وهو ماذا؟ وهو كما قال: "مستقبل الشام، مستدبر الكعبة." فاستدل العلماء رحمهم الله تعالى بهذا أن نهيه صلى الله عليه وسلم الذي في حديث أبي أيوب يحمل على الفضاء، على المكان، على الصحاري والفضاء. أما إذا كان في البنيان، فإنه يجوز، جمعاً بين الحديثين.

جمعاً بين الحديثين. قالوا لحديث، مرواه الأصغر. عندنا الأصغر، إيش عندكم يا جماعة؟ الأصغر، أو الأصفر؟ الأصغر بالغين. الذي أذكره الآن أنا الأصغر، الأصغر بالفعل. لكن نتأكد إن شاء الله. طيب، كلكم يا جماعة، الأصغر؟ ما في أصفر؟ طيب.

قالوا: لحديث مرواه الأصغر، قال: أناخ ابن عمر بعيره مستقبل القبلة، ثم جلس يبول إليه، أن يبول إلى بعيره. يعني نتخيل الآن ابن عمر عنده البعير، أناخ البعير، ثم بالا مستقبل القبلة، وكان البعير ساتراً بينه وبين القبلة. قال: "فقلت: أبا عبد الرحمن، أليس قد نهي عن هذا؟" قال: "بلى، إنما نهي عن هذا في الفضاء. أما إذا كان بينك وبين القبلة شيء يسرك، فلا بأس."

قال: "والأفضل ترك ذلك حتى في البنيان، والله أعلم." طيب، حديث ابن عمر يدل على التفريق كذلك بين هذا وذاك. وحديث ابن عمر، كما ذكروا، أخرجه أبو داود وغيره. وعلامة الألباني رحمه الله تعالى حسنه، وغيره.

لكن الحديث من طريق الحسن بن ذكوان، والحديث من طريق الحسن بن ذكوان. والحسن بن ذكوان ضعيف ومدلس. الحسن بن ذكوان ضعيف ومدلس. لكن الحديث شواهد، قد يحسن بمجموعها. ومن ذلك ما رواه أبو داود والترمذي، من حديث جابر، قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستقبل القبلة ببول." قال: "فرأيته قبل أن يقبض بعام يستقبلها." والحديث في "الصحيح المسند" لشيخنا العلامة مقبل الوادعي رحمه الله تعالى. فالشاهد من هذا، كما قال رحمهم الله، أنه من حيث الجواز، يجوز في البنيان. ولكن من حيث الأفضل، فالأفضل ترك ذلك حتى في البنيان، والله تعالى أعلى وأعلم.

وسبحانك اللهم وبحمدك، لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

  • 27 جمادى الأولى 1433هـ - 18/04/2012مـ
  • 5.08MB
  • 22:11

شاركنا على