كتاب الطهارة 24

الدرس في كتاب الطهارة 24، ألقاها

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله حمدًا كثيرًا مباركًا فيه، كما يحب ربنا ويرضى. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

ثم أما بعد: كان آخر ما أخذنا في الدرس الماضي هو المسألة الرابعة. أخذنا المسألة الرابعة من مسائل الغسل وهي الأحكام المترتبة على من وجب عليه الغسل، ومررنا عليها مرورًا سريعًا، يعني لأن مسألة مسّ المصحف تقدم الكلام عليها، وكذلك مسألة قراءة القرآن للجنوب قد تقدم كذلك الكلام عليها، وأن الصحيح من أقوال أهل العلم أنه يجوز، وهو خلاف الأولى. 

وقوله رحمه الله تعالى، أو قولهم، ويحرم عليه أيضًا الصلاة، قد معنا أن هذا واضحٌ جلي، وهو مما لا خلاف فيه، فقد دل على هذا الكتاب والسنة والإجماع. قال الله عز وجل: "ولا جنوبًا إلا عابر سبيل حتى تغتسلوا." قال: "لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى، ولا جنوبًا إلا عابر سبيل حتى تغتسلوا." طيب.

الخامس، قالوا: الطواف بالبيت. الطواف بالبيت بمعنى أن الطواف بالبيت لمن وجب عليه الغسل واجب في حق الحائض، في حق المرأة الحائض أنه لا يجوز لها أن تطوف بالبيت، حتى تطهر من حيضها وتغتسل. يدل على هذا ما جاء في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها في قول النبي صلى الله عليه وسلم لها حينما حاضت: "افعلي ما يفعل الحاج، غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري." حتى تطهري ويدخل فيه كذلك حتى تغتسل. تطهر فتغتسل، ثم تقوم بالطواف. وهذا القول هو قول جماهير أهل العلم، أي أن المرأة الحائض لا يجوز لها الطواف بالبيت حتى تطهر. ورخص فيه طائفة من المالكية قالوا إلا إذا لم تحتبس لها الرفقة، فلها أن تطوف للإفاضة حينئذٍ. وهذا القول الأخير هو اختيار شيخ الإسلام رحمه الله، وكذلك من المعاصرين العلامة العثيمين رحمه الله، بمعنى أن المرأة إذا لم تطف طواف الإفاضة وكانت حائضًا، وقررت رفقتها السفر وخشيت أن لا تجد رفقة، وكما هو حال الحملات اليوم، حملات الحج، يقررون السفر في زمن معين. فإذا كان الأمر كذلك، فلا يخلو حال هذه المرأة من واحد من ثلاثة أمور: إما أن ترجع معهم أي مع رفقتها من غير طواف إفاضة، فيجب عليها حينها أن تبقى على إحرامها إلى العام المقبل، أو إلى سفرة أخرى إلى البيت الحرام، وهذا فيه مشقة ظاهرة وحرج، والمشقة تجلب التيسير.

الحالة الثانية، يعني إما أن ترجع مع رفقتها، وإما أن تتخلف عن رفقتها مع محرمها حتى تطهر فتطوف. وهذا إن لم يكن فيه ضرر عليهم بالبقاء، ولا حرج عليهم، فهو الواجب. يعني إن لم يكن هناك ضرر، تعرفون في هذه الأيام صارت مدة محدودة، من تجاوزها يحصل له ما يحصل من المخالفات والمشاكل، إلى غير ذلك. أو أنهم إذا فارقوا الرفقة ربما يمرون بطرق وعرة أو فيها بعض قطاع الطرق أو غير ذلك من الأمور التي يخشون على أنفسهم منها، فإن أمن الطريق وكان هناك المحرم، فالواجب أن يتأخر معها حتى تطهر فتطوف، هذا هو الواجب.

فإن كان المحرم معها، ولكن يخشون من مشقة الطريق، يعني ما معهم رفقة، أو كان في الطريق مثلاً شرور وأخطار إن ساروا بأنفسهم، أو نفذت عليهم النفقة، أو إذا تأخروا حصلت عليهم بعض المشاكل وبعض الأتعاب، ففي مثل هذه الحال ترجع المسألة إلى الحالة الثالثة، وهي التي اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى. بأنهم إذا وصلوا إلى هذه المرحلة، إما تتخلف عن رفقتها مع محرمها حتى تطهر فتطوف. وكما سمعتم، إذا لم يكن فيه ضرر عليهم بالبقاء، ولا حرج عليهم، فهو الواجب. فإن لم يستطيعوا، إما لانتهاء النفقة، أو حصول الضرر بتخلفهم عن الرفقة، أو خشية قطاع الطرق أو غيرها من الأضرار المتوقعة، فيبقى الأمر الثالث، وهو ما ذكره شيخ الإسلام رحمه الله: أن تستر المرأة وتطوف وهي حائض، ويكون هذا من باب الضرورات. وكما قيل، الضرورات تبيح المحظورات. والله تعالى أعلى وأعلم.

قالوا كما سبق بيان ذلك عند الكلام على مسألة ما يجب له الوضوء من الباب الخامس. وقد تقدم الكلام على هذه المسألة. قالوا الباب الثامن في التيمم، وفيه مسائل. التيمم لغة: القصد، يقال: قصدت البيت أو تيممت البيت، أي قصدته. وتيممت المسجد، أي قصدته، وهكذا. وشرعًا، هو مسح الوجه واليدين بالصعيد الطيب على وجه مخصوص، تعبّدًا لله تعالى. هذا تعريفه لغة وشرعًا.

قالوا: المسألة الأولى، حكم التيمم ودليل مشروعيته. قالوا: التيمم مشروع، وهو رخصة من الله عز وجل لعباده، وهو من محاسن هذه الشريعة ومن خصائص هذه الأمة، لقوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا، إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ، فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ، وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ، وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ، وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُوبًا، فَاطَّهَّرُوا." وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُوبًا، فَاطَّهَّرُوا." وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضًا، أَوْ عَلَى سَفَرٍ، أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ، أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ، فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً، فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا، فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ." ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج، ولكن يريد ليطهركم، وليتم نعمته عليكم، لعلكم تشكرون. ولقوله صلى الله عليه وسلم: "الصعيد الطيب كافيك، وإن لم تجد الماء عشر حجج، فإذا وجدت الماء، فأمسه بشرتك." والحديث، كما ذكر في التخريج، رواه أبو داود والترمذي، وصححه العلامة الألباني رحمه الله تعالى في الإرواء. والحديث جاء من حديث أبي هريرة، ومن حديث أبي ذر، ولا يقل شيء من طرقها، ولكن الحديث بمجموع طرقه يتقوى ويرتقي إلى الحسن. والشاهد منه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "الصعيد الطيب كافيك، وإن لم تجد الماء عشر حجج." أي عشرة سنين، فإذا وجدت الماء، فأمسه بشرتك، أي فاستعمل الماء، واترك التيمم.

قالوا لقوله صلى الله عليه وسلم: "جُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا." والحديث متفق عليه، كما في حديث جابر وغيره. وقد أجمع أهل العلم على مشروعية التيمم إذا توافرت شرائطه، وأنه قائم مقام الطهارة بالماء، فيباح به ما يباح بالتطهر بالماء من الصلاة والطواف وقراءة القرآن، وغير ذلك. طيب.

قوله: ما قد أجمع أهل العلم على مشروعية التيمم إذا توافرت شرائطه، أما بالنسبة للطهارة الصغرى فهو كما قيل لا خلاف بين أهل العلم في ذلك. وأما بالنسبة للحدث الأكبر، فوقع فيه خلاف يسير عند بعض المتقدمين. وقيل أنه روي عن عمر، وعن ابن مسعود، أنهما لم يريا التيمم من الجنابة، ولكن قيل أنهما تراجعا. أما ابن مسعود، فظاهر كما في صحيح البخاري، وأما عمر رضي الله عنه أرضاه، فالأمر محدود، لأنه حينما حصل منه نقاش لعمار بن ياسر حينما أخبرهم بقصته عن التيمم هو وعمار حينما تمرغا في التراب كما تمرغ الدابة، فقال له عمار: "نحملك أو نوليك كما توليت." أو كما قال، فشهد أن بعض أهل العلم قالوا عنهم أنهم تراجعوا. فإن تراجعوا، فالأمر كما يقال متفق عليه، فيكون لا خلاف المسألة.

قالوا وبذلك ثبتت مشروعية التيمم بالكتاب والسنة والإجماع. المسألة الثانية، شروط التيمم والأسباب المبيحة له. قالوا يباح التيمم عند العجز عن استعمال الماء، إما لفقده، أو لخوف

 الضرر من استعماله لمرض في الجسم أو شدة البرد، لحديث عمران بن حسين: "عليك بالصعيد الطيب، فإنه يكفيك." والحديث كما ذكر في التخريج، متفق عليه. وتقدم فيما مضى معنا من دروس، في قصة الرجل الذي أصابته جنابة ولم يجد الماء، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "عليك بالصعيد الطيب، إنه يكفيك." 

قالوا: سيأتي مزيد بسط لذلك بعد قليل. ويصح التيمم بالشروط الآتية:

أولًا، النية، وهي نية استباحة الصلاة. قالوا النية شرط في جميع العبادات، والتيمم عبادة. طيب، أما بالنسبة للنية في التيمم، فهذا هو القول الصحيح الذي عليه أكثر أهل العلم، وهو الذي عليه عامة أهل العلم. ورُوي عن الأوزاعي وعن الحسن بن صالح بن حي أنهما يقولان أن النية في التيمم ليست بشرط، وكذا رُوي عن زفر من الحنفية. والصواب الذي عليه أكثر أهل العلم، لعمومات الأدلة في وجوب النية، ومنها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات." 

هذا أمر. والأمر الثاني، في قولهم: النية وهي نية استباحة الصلاة. وهي نية استباحة الصلاة، هذا قول لبعض أهل العلم. والقول الآخر، وهو الأرجح، أن النية هي نية رفع الحدث، وليس فقط استباحة الصلاة، بل رفع الحدث. وهذا القول عليه طائفة من السلف، وهو قول أبي حنيفة وأحمد في رواية، واختيار ابن حزم في المحلى، وكذلك اختاره ونصره وأيده شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، وقال ويدل عليه الكتاب والسنة والاعتبار (القياس). واستدل من الكتاب قول الله جل وعلا في آية التيمم: "فلم تجدوا ماءً فتيمموا صعيدًا طيبًا، فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه. ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج، ولكن يريد ليطهركم." فهو مطهر وطهارة. ولكن يريد ليطهركم، فهو رافع للحدث، لكن رفعًا مؤقتًا إلى أن يجد الماء أو يقدر على استخدامه.

وكذلك في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "جُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا." إذن التيمم ماذا؟ طهور مطهر يحصل به الطهارة كما يحصل بالماء، وذكر أدلة كثيرة في هذا المعنى.

فالحاصل من هذا أن النية هي نية رفع الحدث إلى وقت، وهو إما وجود الماء لمن كان فاقدًا له، أو القدرة على استخدامه لمن لم يكن قادرًا على استخدامه مع وجوده. وذلك لأن التيمم إنما كان بدلاً عن الوضوء، أي عن الماء، فإذا وجد الماء أو قدر عليه، ارتفع البدل، ورجع إلى الأصل. قال الله جل وعلا: "فإن لم تجدوا ماءً، فتيمموا." فإذا وجد الماء، كما قيل، بطل التيمم. 

طيب، الثاني، قالوا الإسلام، فلا يصح من الكافر، لأنه عبادة. الثالث، العقل، فلا يصح من غير العاقل، كالمجنون والمغمى عليه، لأنهم ليسوا من أهل التكليف. الرابع، التمييز، أي أن يكون مميزا، أي عاقلا، يعقل ما يفعل. قالوا فلا يصح من غير المميز، وهو من كان دون السابعة. والأولى أن يقال فلا يصح من غير المميز سواء كان في السابعة أو كان قبلها أو بعدها. ولعلهم حددوه بالسابعة بناء على حديث عبد الله بن عمر بن العاص: "مروا أبناءكم الصلاة وهم أبناء سبع." لكن قد ثبت في صحيح البخاري من حديث عمر بن سلمة أنه صلى بأصحابه وهو ابن ست أو سبع سنين، ففيه إشارة إلى أن من كان مميزًا، سواء كان ابن ست أو كان ابن سبع، فإنه يصح منه الوضوء والصلاة، وكذلك يصح منه التيمم. فإذا قولهم التمييز فلا يصح من غير المميز والتحديد بسبع يكون قيدًا أغلبيا. طيب. 

نكتفي بهذا القدر. سبحانك اللهم وبحمدك، لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

  • 29 جمادى الآخرة 1433هـ - 20/05/2012مـ
  • 4.88MB
  • 21:18

شاركنا على